
الاخبار: هداية محمد التتر
في أحد المنازل المدمرة بحي النصر غرب مدينة غزة، يحمل عدد من الشباب والأشبال مطارق يكسرون بها الأعمدة الخرسانية، ومجارف يجمعون بها الركام ويضعونها في أوعية ثم ينقلونها ويلقون بها بعيداً من المنزل.
ويقول شريف شعبان (45 عاماً) الأب لخمسة أطفال، إنه كان يعمل موظفاً في شركة لبيع الأجهزة الكهربائية، «إلا أن جيش الاحتلال دمر الشركة وأحرق كل شيء فيها، ما اضطرني إلى البحث عن عمل آخر لإعالة أسرتي».
ويوضح شعبان في حديث إلى موقع «الأخبار»، أنه بدأ العمل في مهنة تنظيف المنازل من الحطام يدوياً مطلع العام الماضي، مشيراً إلى أنه تعرض خلالها إلى عدد من الإصابات المتوسطة كالجروح في الأصابع والأيدي، وحساسية في الصدر نتيجة الغبار الذي ينبعث من الركام.
ويلفت إلى أنه يبدأ عمله مبكراً بتكسير الأعمدة الخرسانية التي تسد الطريق في المنزل أو تعيق الحركة في المكان، ثم تحطيم الجدران التي تكون آيلة إلى السقوط «كونها بحاجة إلى قوة بدنية»، ويقول «نقوم بجمع الحطام وتعبئته في أوعية تمهيداً لنقلها خارج المنزل وأحياناً يتم إلقاؤها بعيداً عبر عربة الجر اليدوية إلى مناطق مفتوحة».
واتجه الغزيون المدمرة منازلهم سواءً أكانت تدميراً جزئياً أم كلياً ولكن تبقت أعمدتها وسقفها صامِدَين، إلى تنظيفها من الحطام وتغليفها بشوادر بلاستيكية نظراً إلى قلة المنازل المتوافرة للإيجار، وإن توافرت تكون بأسعار مرتفعة جداً لا يقوى على دفعها الفلسطيني خاصة في ظل عدم توافر مصدر دخل لمعظمهم.
ويرافق أحمد الكسيح (15 عاماً) السيد شعبان في مهنته الصعبة، وقد بدت على جسده ملامح التعب والإرهاق، يقول لـ«الأخبار»، إنه اضطر إلى العمل «في هذه المهنة الشاقة رغم المخاطر المصاحبة لها لأن والدي استشهد في الحرب، ولم يعد هناك من يعولنا ويطعم إخواني الجوعى لذلك قررت البحث عن عمل كي أساعد أمي في رعايتهم».
ويوضح أن تلك المهمة تتطلب مهارات بدنية عالية وجهداً كبيراً وصبراً عميقاً حتى تتمكن في الاستمرار بها «خاصة في ظل ندرة الغذاء الذي يُقوّم الجسد ويدفعه إلى المزيد من العمل»، ويشير وهو يمد يديه إلى الجروح والتشققات التي أصابت يده، ويبين أنه أصبح يعاني من التعب والإرهاق وعدم القدرة على مواصلة العمل «ما يضطرني إلى التوقف وأخذ استراحة حتى أستطيع استكمال المهمة».
ويضيف «أتقاضى مبلغاً بسيطاً ما بين 50 إلى 70 شيكلاً في اليوم، وهي لا توفر لك احتياجاتك من الطعام نظراً إلى ارتفاع الأسعار الفلكي»، ويستدرك «يكفي أنني أستطيع إحضار كيلو من الطحين لنأكل ولو قليلاً من الخبز».
ومنذ السابع من تشرين الأول 2023 والاحتلال الإسرائيلي يغلق المعابر ويمنع دخول جميع مقومات الحياة، خاصة الآليات والمعدات الثقيلة التي تعمل على إزالة الأنقاض.
ويوضح محمود حرب (34 عاماً)، والد لطفل واحد، أنه كان يعمل قبل حرب الإبادة الجماعية في شركة البشير لخدمات التنظيف، لتلميع المنازل والشركات الجديدة وتنظيفها، «ليصبح عملنا حالياً هو إزالة الركام الذي خلّفه استهداف الاحتلال الإسرائيلي لمنازل الغزيين».
ويقول حرب في حديثه إلى «الأخبار»، إن «مصاريف طفلي الذي يحتاج إلى الحفاضات والحليب، هي التي أجبرتني على مواصلة العمل في هذا المجال، حيث أصبحت لقمة العيش اليوم مغمسة بالدم، فيمكن أن تصاب ولا تجد أي تعويض لهذه الإصابة».
وأضاف: «قبل مدة كدت أفقد أحد أصابع يدي جراء سقوط لوح زجاج كان عالقاً في المنزل الذي أعمل فيه، وأحد زملائي سقط من طابق علوي كسرت إحدى فقرات عموده الفقري».
ويشير إلى أنه أصبح يعاني من آلام في الظهر ومفاصل الرجلين وضيق في التنفس نتيجة الغبار الذي ينتج عن الحطام، كما يعرض حياته إلى خطر الاستهداف الذي يمكن أن يحدث في أي لحظة.
ويوضح بدوره، خضر البشير، مدير شركة البشير لخدمات التنظيف، أن عمل الشركة يقوم على إزالة الركام من المنازل بما تحتوي من زجاج وأخشاب وأحجار وأعمدة خرسانية، ويشير إلى أن ذلك يحتاج إلى معدات وآلات ثقيلة كي تزيله.
ويستدرك البشير في حديث إلى «الأخبار»، أنه ونظراً إلى الظروف الحالية التي ينعدم فيها معظم مقومات الحياة نضطر إلى استخدام أدوات بدائية تعتمد على القوة البدنية، ويقول: «يستخدم العاملون الفأس والمطرقة والمجراف ومشط الأرض وعربة الجر والأوعية البلاستيكية».
ويلفت إلى أن مخاطر جمة تواجه العاملين في هذه المهنة، أحدها جسدي وآخر أمني، ويقول: «لم يعد لدى العاملين القدرة على العمل طوال اليوم، إذ تم تقسيم العاملين إلى نصفين، جزء في الصباح وآخر في المساء، نظراً إلى ضعف البنية الجسدية بعدما فقد عدد من العمال كتلتهم العضلية نتيجة سوء التغذية الذي يعاني منه معظم الغزيين في ظل سياحة التجويع التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي ضدنا».
ويشير إلى أن عملهم لا يقتصر على إزالة الأنقاض من المنازل المتضررة «بل قمنا بفتح طرق وإزالة ركام الأبراج التي أغلقت الشوارع كي يسهل مرور المواطنين بمساعدة من بعض الآليات الثقيلة كالجرافة والتي جرى استهداف معظمها من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي كي يعيق عمل الغزيين وحياتهم».
ويأمل مدير شركة البشير لخدمات التنظيف بأن يتم إدخال المعدات والآليات الثقيلة والخفيفة كي يسهل عملهم. فضلاً عن دورها الكبير في إعادة الحياة إلى المناطق المتضررة عبر فتح الطرقات وإزالة الأنقاض من البيوت والبنايات المتضررة.